استشراف المستقبل في فنلندا ( الجزء الاول)

استشراف المستقبل في فنلندا 

صدر شرط دستوري في تسعينيات القرن العشرين يقضي بإصدار البرلمان الفنلندي لتقرير كل أربعة أعوام يتناول الاتجاه الذي تسير فيه الدولة. بعبارة أخرى: صار البرلمان مُلزماً أمام الحكومة الفنلندية بتقديم تقرير عن الوضع المستقبلي للدولة مرة واحدة كل مدة برلمانية، وبالتالي بدأت الحكومة في الإفصاح عن تصوُّرها لمستقبل الدولة والتدابير المطلوب اتخاذها على مدار فترة زمنية تتراوح بين 5 أعوام و15 عاماً. وجرت العادة بعد ذلك على أن يقوم البرلمان بتداول التقرير والرد عليه، ثم اعتماده في النهاية مع أي تعديلات مقبولة، ومن ثم يصبح هذا التقرير قراراً صادراً عن البرلمان ومُلزماً للحكومة، بالإضافة إلى ذلك هناك أنشطة إضافية أخرى متعلقة بالاستشراف، مثل:

·       مجموعة الاستشراف الحكومي وشبكة الاستشراف الحكومي، بالتعاون مع مكتب رئيس الوزراء، المؤلَّفة من ممثلين من كل 12 وزارة وأربعة أمناء، مهمتهم هي مشاركة معلومات الاستشراف.

·       وحدات استشراف داخل وزارات ووكالات حكومية متنوِّعة، مثل أنظمة الاستشراف STIRA وTekes (التي تستخدم الاستشراف لتمويل أنشطة الابتكار) وVTT، وهو مركز أبحاث يجمع بين القطاعين العام والخاص.

·       شبكة واسعة النطاق من مؤسسات القطاع الخاص التي تعمل بمبدأ الاستشراف والمكلَّفة بتقديم الاستشارات اللازمة.

تعليقات من المقابلة التي تم إجراؤها مع "سيركا هينونين"، أستاذة بمركز فنلندا للأبحاث المستقبلية بجامعة "توركو" من الواضح أنَّ النموذج الفنلندي مثير للاهتمام لأنَّ وفوداً عديدةً تزور فنلندا لمعرفة مزيد من المعلومات عنه. يوظِّف النموذج الفنلندي الاستشراف المنهجي على مستوى البرلمان والحكومة، وكذلك على مستوى الإدارة العامة. وبالإضافة إلى أعمال البرلمان ومكتب رئيس الوزراء المُعلَن عنها جيداً، تتصل جميع الوزارات بشبكة الاستشراف الموجودة في الدولة. لذا، يكون لزاماً على كل وزارة إعداد تقرير عن تصوُّرها لمستقبل الدولة في مجالها، ثم ربطه بتقرير الاستشراف الخاص بالحكومة. تهدف فنلندا إلى وضع استراتيجية وطنية تعالج موضوعات مهمة لضمان نجاح الدولة وازدهارها، مثل مستقبل مجتمع المعلومات ومستقبل التكنولوجيا النظيفة. علاوة على ذلك، تتم تغذية النظام الحكومي بمعلومات استشرافية مأخوذة من الأكاديميات والشركات الاستشارية في أشكال متنوِّعة، بدءاً من وِرَش العمل وحتى التقارير. على سبيل المثال: يتمتع مركز فنلندا للأبحاث المستقبلية بمكانة مرموقة على الصعيد الوطني فيما يتعلَّق بالتعليم الاستشرافي. وفي الوقت الحالي تعمل فنلندا على تجديد نموذج الاستشراف الخاص بها، مع وضع بعض التحسينات في الاعتبار لإدخالها في المستقبل.

قد يكون من المفيد معرفة أنَّ المنظَّمات والمؤسَّسات الفنلندية تقوم بتحصيل المعلومات الاستشرافية من البرلمان والحكومة ومجموعات محلِّلي الأحداث المستقبلية التي تعمل خارج الحكومة.

يعتبر تقرير استشراف الحكومة المستند الذي يجسِّد تصوُّر الحكومة لفترة طويلة، وهو تقرير تصدره الحكومة وتقدِّمه إلى رئيس الوزراء. يقوم مكتب رئيس الوزراء ولجنة الأبحاث المستقبلية بعد ذلك بمشاركته مع الجمهور، ثم تقوم اللجنة البرلمانية المعنية بالأحداث المستقبلية بالتحقيق في قضايا السياسات طويلة الأجل ومراجعة تقرير استشراف الحكومة. يوضح الرسم أدناه مراحل هذا الإجراء على مستوى مرتفع، كما أنَّه يعرض الخطوات المتخذة فيه بترتيبٍ تنازلي وتصاعدي.