نظرة جديدة على المدن في المستقبل أو (New Lenses on Future Cities
نظرة جديدة على المدن في المستقبل أو (New
Lenses on Future Cities)
Shell
تشتهر شركة Shell
بأنها صاحبة أكثر أعمال الاستشراف توافقاً واستدامة، وذلك منذ نجاحها في وضع سيناريوهات
فعَّالة منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين. واستمرت شركة Shell في
وضع سيناريوهات جديدة كل فترة تتراوح بين 3 و5 أعوام، لتشكِّل بذلك سياق التخطيط
الإجمالي للمؤسَّسة. وعادةً ما يعزِّز القائمون على وضع هذه السيناريوهات عملهم
بدراسات أخرى، مثل هذه الدراسة التي تتناول مستقبل المدن.
من ضمن الخصائص
المثيرة للاهتمام التي تميِّز هذا التقرير تقسيم المدن في المستقبل إلى ست فئات.
النتيجة
يعتبر كتاب
"بيتر شوارتز" بعنوان "فن النظرة البُعدية" أو "The Art of the Long View" أكثر الأعمال
الأدبية التي تناولت تقييم نجاح سيناريوهات شركة Shell باستفاضة. فلقد وصف
"شوارتز" منصب مدير التخطيط الاستراتيجي الذي تولّاه في شركة Shell في
أواخر الثمانينيات بأنَّه المكان الذي انطلق منه وضع سيناريوهات Shell
الشهيرة. ويسرد لنا في هذا الكتاب قصتين عن كيف أثَّرت هذه السيناريوهات بشكلٍ
مباشر في نوعية القرارات التي اتخذتها شركة Shell في هذا الوقت.
·
النفط كسلعة
قابلة للتداول: تدور القصة الأولى عن سيناريو تم وضعه في أواخر السبعينيات
من القرن العشرين، وهي فترة اشتهرت بارتفاع أسعار النفط. ونتيجة للإجراءات التي
وضعتها منظمة "الأوبيك" حيز التنفيذ، ارتفع سعر النفط من دولارين
للبرميل عام 1970 إلى ما يزيد على 35 دولاراً للبرميل عام 1980. شعر معظم الناس في
ذلك الوقت بأن تلك الزيادة لن تتراجع، وأنَّ سعر النفط سيصل إلى 100 دولار في
البرميل في غضون ذلك العَقد. ولكن كان لشركة Shell رأي آخر، فلقد
توقَّعت الشركة ارتفاع سعر النفط، ولكنها وضعت أيضاً سيناريو قابلاً للتطبيق في
حال انخفض سعر النفط فجأة. ومن هنا يتضِح لنا أنَّ المخططين في شركة Shell لم
يكتفوا بتوقُّع المستقبل ببساطة، بل إنَّهم تصرَّفوا على أساس هذا التوقُّع أيضاً.
وتوصَّلوا إلى أنَّ سوق النفط لن يعود إلى ما كان عليه من إبرام عقود طويلة الأجل
كما حدث في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ولكن سيظهر بدلاً من ذلك سوق
جديد للنفط، أو بالأحرى سوق فوري يتم فيه بيع مستقبل النفط بدءاً من مرحلة وجوده
في البئر وحتى مرحلة نقله إلى معامل التكرير. علاوة على ذلك أدرك المخطِّطون أن
تقنيات المعلومات الحديثة لن تكون إلا منصة يُدار من خلالها هذا السوق. فقاموا بإنشاء
نظام تجاري يمكنهم استخدامه إذا ما حدث سيناريو هبوط أسعار النفط. وبالطبع حدث ما
كانوا يتوقَّعونه عام 1981. وبناءً عليه قامت شركة Shell
بتطبيق ذلك النظام التجاري على الفور، وتمكَّنوا من الإتجار في النفط ومعدلاته
المستقبلية قبل منافسيهم بعدة أشهر.
·
انهيار الاتحاد
السوفييتي: أما القصة الثانية فهي قصة متعلِّقة بمنصة "Troll"
للغاز الطبيعي، الواقعة في بحر الشمال. فلقد كان من المتوقَّع أن يؤدي توسيع هذه
المنصة إلى زيادة مبيعات الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وبالطبع كان الاتحاد السوفييتي
المورِّد الرئيس للغاز الطبيعي المتجِّه إلى أوروبا، ولكن الدول الأوروبية قامت
بقصر نسبة المبيعات الواردة من الاتحاد السوفييتي على 35% فقط من السوق. وبهذه
النسبة كان يمكن لشركة Shell أن تكسب أرباحاً هائلة عن طريق زيادة سعة الغاز الطبيعي لديها. ولكن
هل كان يمكن ضمان استمرار تقيُّد الاتحاد السوفييتي بالنسبة التي كان قدرها 35%
لفترة كافية تسمح بتعويض الاستثمارات المدفوعة في توسيع منصة "Troll"؟
لقد كان الاتحاد السوفييتي يواجه صعوبات اقتصادية في الثمانينيات من القرن
العشرين، وكانت هذه الصعوبات قوية بما يكفي للإطاحة بنظام الحكم في ذلك الوقت
وتغييره. وإذا انهار الاتحاد السوفييتي، فهل هذا يعني أنَّه سيتمكَّن من تحسين
علاقته بالدول الأوروبية لرفع نسبة المبيعات سالفة الذكر؟ في ذلك السيناريو لم تكن
شركة Shell لتحقق أي مكاسب مادية من عملية توسيع المنصة. وفي النهاية كان
انهيار الاتحاد السوفييتي مرجَّحاً بما يكفي إلى الدرجة التي جعلت المخطِّطين في
شركة Shell يتراجعون عن توسيع المنصة، وهو القرار الذي أنقذهم من تكبُّد
خسائر فادحة.
في حين أنَّ شركة
Shell تستفيد
بشكلٍ هائل من هذه السيناريوهات التي تضعها، إلا أنَّ هذه السيناريوهات لا تؤدي
دائماً إلى اتخاذ قرارات أفضل. وفي هذا السياق ذكرت "أنجيلا ويلكنسون"،
واحدة من أقدم المسؤولين بشركة Shell، رأياً مثيراً للاهتمام في هذا التقرير. فعلى حد قولها:
"يمكن طرح
العديد من الأسئلة بشأن قدرة شركة Shell على وضع سيناريوهات مستقبلية،
ولكن أكثر هذه الأسئلة شيوعاً هو: "هل تنجح هذه السيناريوهات؟" بعبارةٍ
أخرى: هل أدَّت هذه السيناريوهات إلى زيادة قيمة أعمال الشركة من خلال نجاح
المخطِّطين في اتخاذ قرارات أفضل؟ والإجابة عن هذا السؤال هي "نعم"،
وذلك في حالة السيناريوهات التي تركز على مشكلة معيَّنة وفي حالة السيناريوهات
العامة أيضاً ولكن "بشكل غير مباشر فقط". لم تضرب شركة Shell
أمثلة بارزة على نجاحها في توقُّع أي تطوُّرات مستقبلية وتفوقها في ذلك الشركات المنافسة لها، وذلك
بالطبع باستثناء نجاحها في توقُّع أزمات النفط التي حدثت في سبعينيات القرن
العشرين. تصف المؤرخة "كيتي سلويتيرمان" شركة Shell
بأنها أسرع من الشركات الأخرى في استيعاب التغيُّرات الحادثة في السوق أو الثقافات،
وأنَّها تتمتع بقدرة استباقية على التعامل مع القضايا حديثة النشوء، مثل تغيُّر
المناخ والنهضة الاقتصادية في الصين والطفرة المثيرة للجدل التي حدثت في مجال
تطوير موارد شاملة وغير تقليدية للغاز في الولايات المتحدة الأمريكية".
أما "آري دي
جو"، أحد كبار المسؤولين السابقين في شركة Shell أيضاً، يرى أنَّ: "القدرة
على التعلُّم بمعدلات أسرع من الشركات المنافسة هي الميزة التنافسية المستدامة
الوحيدة في بيئة يحكمها التغيير السريع والابتكار الدائم". ومن هنا يتبيَّن
لنا أنَّ شركة Shell كانت أكثر انفتاحاً من غيرها على التغيير، ولذلك نجحت في
الاستفادة من هذا التغيير من خلال اعتمادها على وضع سيناريوهات محتملة الحدوث
وإجراءات قابلة للتطبيق الفوري حال حدوث أيٍّ من هذه السيناريوهات.
تعليقات
إرسال تعليق